جامعة عمان العربية للدراسات العليا
كلية العلوم الادارية
ملحق بحث التسويــق المصرفي
تجربة الاستاذ الدكتور محمد يونس في بنغلاديش
بنك الفقراء
مقدم للاستاذ الدكتور عادل رجب
كأحد مستلزمات مساق " مواضيع خاصة في التسويق"
ضمن متطلبات درجة الدكتوراة
في العلوم الإدارية تخصص التسويق
إعداد
موسى احمد اصبيح
كانون اول 2009
بنك الفقراء
مقدمة:
تنحو أغلب نظريات التنمية في تحقيق التنمية الاقتصادية لدول العالم الثالث، منحى واحداً وهو التعويل على الشرائح الاجتماعية العليا من خلال تمكين هذه الشريحة من الكمية المقبولة من الأموال وتزويدهم بالضمانات والإعفاءات والتسهيلات اللازمة لتوفير مناخ مشجع لهم. وإحدى كبريات المشاكل في هذا الاقتراب أنه يؤدي سريعاً لحدوث تفاوت حاد في الدخول والثروات، ومن ثم حدوث استقطاب طبقي حاد يقوم على تآكل الطبقة الوسطى لصالح الشرائح التي تليها في الترتيب الاجتماعي والاقتصادي. وأتت تجربة مصرف الفقراء في بنغلاديش لتقلب موازين التنمية رأساً على عقب وتقدم أحد أبرز النماذج التنموية في دول الجنوب.
وقد خالف البرفسير محمد يونس هذه النظريا بالتركيز على الطبقات الاكثر فقرا في الدول لمحاربة الفقر وظيت نظريته بتقدير العديد من الهيئات والمؤسسات المحلية والدولية عندما منحته العديد من الجوائز التقديرية، كوسام بنغلاديش من الدرجة الأولي عام 1987م، وجائزة الغذاء العالمية عام 1994م، وجائزة "اليونسكو" للتربية والتعليم عام 1996م، وجائزة سيدني للسلام عام 1998م، وجائزة سيول للسلام عام 2006م، وأخيراً جائزة نوبل للسلام لعام 2006م في منتصف فبراير 2007م.
وقد نجح البروفسير محمد يونس في تطوير آلية عمل لمصرف جرامين الذي لا يسعي للربح في محاربة الفقر في واحدة من أقل اقتصاديات العالم تواضعاً، بنغلاديش. حيث لم ينحصر تنفيذ إستراتيجيته الفريدة في قطاع القروض الصغيرة عن طريق مصرف جرامين فحسب، وإنما تعدته لتشمل سبعة عشرة (1) منشأة تنموية غير ربحية تسعي في مجملها إلي محاربة الفقر في بنغلاديش وتحقيق التنمية المستدامة.
يعيش في دولة بنغلاديش حوالي 35.6% (3) من سكانه البالغ عددهم 141 مليون نسمة (4) تحت خط الفقر (دخل الفرد يقل عن دولار واحد يومياً)، يضاف إلي ذلك 20% آخرون يعتبرون علي حافة الفقر. وتزداد حدة الفقر في القري (76.61% من السكان يعيشون في القري) حيث تنقص الخدمات وترتفع البطالة، وهو ما يضطر معه الكثير من السكان للنزوح إلي المدن بحثاً عن فرص العمل(5).
اولا - نشأة المصرف وشخصية البروفسير محمد يونس :
أصيبت بنغلاديش في عام 1974م بمجاعة قاسية، وكان بروفسير "يونس" يقوم بتدريس نظريات التنمية المعقدة في الجامعة، بينما كان الناس في الخارج يموتون بالمئات، فانتقل إلى إحدي القرى بنغلاديش يكلم الناس الذين كانت حياتهم صراعاً من أجل البقاء. وقد تكلم مع اثنين وأربعين شخصاً في القرية ممن كانوا واقعين في فخ الفقر، لأنهم يعتمدون على قروض التجار المرابين، وكان كل ما يحتاجونه من ائتمان هو ثلاثين دولاراً فقط. فأقرضهم هذا المبلغ من ماله الخاص(6).
وفي عام 1976م بدأ البروفسير "يونس" مشروعاً بحثياً عملياً لاستكشاف إمكانية تصميم نظام مصرفي يصلح للفقراء من أهل الريف (7). وقد توصل إلى أنه إذا توفرت الموارد المالية للفقراء بأساليب وشروط مناسبة فإن ذلك يمكن أن يحقق نهضة تنموية كبيرة. وقد حقق المشروع بالفعل نجاحاً في محافظة شيتاجونج Chittagong في الفترة من 1976م إلى 1979م. وفي ذلك العام امتد المشروع بمساعدة مصرف بنغلاديش إلى محافظة تانجيل Tangail
- تطور عمل المصرف:
وفي الفترة من 1979م حتى 1983م امتد العمل بنجاح إلى محافظات دكا Dhaka ورانجبور Rangpur وباتواخالي Patuakhali. وفي سبتمبر1983م تحول المشروع إلى مصرف مستقل باسم مصرف جرامين Grameen Bank، ساهمت الحكومة فيه بنسبة 60% من رأس المال المدفوع بينما كانت الـ40 % مملوكة للفقراء من المقترضين(
. وفي هذا العام 2007م صارت النسبة 6% للحكومة و94% للمقترضين (9).
فوفقاً لتقرير "بنك جرامين" (القرية أوالفقراء) في يناير عام 2007م وصل عدد فروعه إلي 2.343 فرع، تغطي 75.359 قرية، ويعمل به 21.363 شخص، وبلغت جملة القروض التي قدمها منذ أن بدأ 310.20 بليون تكا*، وأن نسبة سداد القروض هي 98%(2). عدد المقترضين من المصرف بلغ حتي يناير 2007م أكثر من 6.95 مليون مقترض مقسمين على 2.343 فرعاً تعمل في أكثر من 75.359 قرية، ويعمل به 21.363 موظف (19).
- مزايا تجربة المصرف
يتميز مصرف جرامين بعدد من السمات التي تميزه عن غيره من المصارف وهي:
الميزة الأولى:
1- العملاء /الفئة المستهدفة: هي فئة أفقر الفقراء:
تعامل المصرف مع عملائه: عملاء المصرف من المقترضين من فئة أفقر الفقراء يمتلكون الآن 94% من أسهم المصرف، وهم كذلك أعضاء في مجلس إدارة المصرف وبذلك يستحقون أرباح المصرف عن استثماراته، وأيضاً يشاركون وبقوة وعلى أعلى مستوى في صنع القرار داخل المصرف.
Poorest of the poor التي وضع لها محددان اثنان، هما:
أ- أن يكونوا Landless أي لا يمتلكون أراضي زراعية كحد أدنى، أو تقل حيازتهم عن نصف فدان من الأرض كحد أقصى.
ب- أن يكونوا Assetless أي أن قيمة ما لديهم من ممتلكات لو بيعت لما اشتري بقيمتها فدان واحد. وهذا الأمر مناقض تماماً لسياسة سائر البنوك التي لا تتعامل مع الفقراء، لأنهم لا يملكون الضمانات المالية التي تشترطها البنوك عادة.
الميزة الثانية: التركيز الشديد على قضيةمحاربة الفقر: ويتجلى هذا التركيز في مستويين:
1- المستوى النظري: ويتضح الاهتمام النظري مما تقوم به مؤسسة جرامين ترست Grameen Trust (وهي إحدى مؤسسات المصرف ً) من جهود لنشر الفكرة والتبشير بها محلياً وعالمياً من خلال البحوث والدراسات، وهذا يقتضي ضمناً التعرض للمحات من فكر البروفسير محمد يونس. وفي هذا الإطار نستعرض أهم المفاهيم:
(ا) مفاهيم مغلوطة: يرى البروفسير يونس أن الفقير إنما هو في الحقيقة مُفقَر من خلال منظومة من الرؤى والممارسات المجتمعية التي تؤدي لاستمرار حالة الفقر، أول هذه الرؤى والمفاهيم: النظرة السلبية للفقير على أنه شخص يفتقر إلى المهارات المهنية الخاصة، وأنهم لا يمتلكون إلا الجهد البدني، وأنهم بدون اكتساب مهارات لن يكون لهم قيمة في سوق العمل.
(ب) الأوضاع والممارسات: أول تلك الأوضاع إحجام البنوك عن إعطاء الفقراء قروضاً، وذلك بوضعها شروطاً تعجيزية، وهو ضرورة توفر ضمانات مالية collateral، ومن ثم يرى يونس أن الائتمان Credit هو حق أساسي من حقوق الإنسان Human Right Fundamental تماماً كالمطعم والملبس والمأوى والتعليم والرعاية الصحية. ثاني تلك الممارسات الربط الدائم بين مكافحة الفقر وخلق فرص وظيفية للفقراء على اعتبار أنه الحل الأمثل، على الرغم من أن الوظيفة قد تكون وسيلة لتخليد الفقر، وذلك إذا كان دخل الفقير لا يحقق له فائضاً، أضف إلى ذلك أن تلك الوظائف غالباً ما تحجب عن النساء الريفيات الفقيرات، ويرى بدلاً من ذلك ضرورة استثمار الوظائف التقليدية التي يمارسها الشعب كوسيلة للحياة في برامج للتوظيف الذاتي Self-Employment تحول الأعمال المنزلية البسيطة إلى موجة من المد الكبير للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
2- المستوى العملي: منذ أن كان المصرف مشروعاً عام 1976م كانت الأهداف واضحة ومحددة كالتالي:
ا- تقديم التسهيلات المصرفية للفقراء من الرجال والنساء.
ب- القضاء على استغلال المرابين للفقراء.
ج- خلق فرص للتوظيف الذاتي للقطاع العريض غير المستخدم أومحدود الاستخدام من مصادر الطاقة البشرية.
د- دمج القطاع المهمش من المجتمع في طيات نموذج مؤسسي، يستطيعون استيعابه والتعامل معه ويستمدون منه القوة: الاجتماعية-السياسية والاجتماعية-الاقتصادية من خلال التعاون والدعم المتبادل.
هـ- إدارة دفة الحلقة المفرغة القديمة: دخل قليل - مدخرات قليلة - استثمار قليل - دخل قليل، لتصبح نسقاً متصاعداً من: دخل منخفض – ائتمان – استثمار - دخل أكبر - ائتمان أكبر - مزيد من الاستثمار - فمزيد من الدخل. وقد سلك المصرف طريقاً ذا معلمين أساسيين:
المعلم الأول: المشاركة أومساعدة الفقراء كي يساعدوا أنفسهم.والمعلم الثاني: توفير العمل للقادرين من الفقراء بديلاً عن الإحسان والصدقة أومن اليد السفلي إلى يد يحبها الله ورسوله (13).
الميزة الثالثة: التركيز على النساء كقوة للعمل: حيث تمثل النساء نسبة 97% من عملاء المصرف (14) ولهذا التركيز الواضح مبرراته وهي:
1- نظرة المصرف للأعمال المنزلية للنساء الريفيات الفقيرات كمورد اقتصادي غير مستثمر أومحدود الاستثمار، ومن ثم وجب تصحيح الوضع باستثماره لمصلحة الفقراء.
2- تعرض هؤلاء النسوة لقهر اجتماعي مزدوج، أولاً: لأنهن فقيرات، وثانياً: لأنهن نساء، ومن ثم يتعرضن لتحمل العبء الأكبر لمشكلة الفقر داخل الأسرة.
3- خبرة المصرف: لوحظ أن الأسرة الفقيرة تحقق فائدة فورية إذا كان التحسن في دخلها عن طريق المرأة، فالمرأة تضع أسرتها وأولادها في قمة سلم أولوياتها بينما للرجل سلم أولويات مختلف.
الميزة الرابعة: تجربة إبداعية تدعم الإبداع: إن علاقة المصرف بالإبداع قائمة منذ النشأة، فالمصرف فريد في عملائه وفي تعامله معهم، وهو أيضاً فريد في أسلوب معالجته لقضية الفقر، وهو فوق ذلك فريد في نظامه القائم على ضمان المجموعة والمركز. الإبداع كروح وآلية: والإبداع أيضاً هو روح تسري في المؤسسة، وآلية ذات خطوات، تتمثل في الآتي:
1- غرس الرؤية النقدية منذ اللحظة الأولى: أول ما يطلب من المتدربين من الموظفين الجدد أن يبدوا ملاحظاتهم واقتراحاتهم للتجديد في إجراءات المصرف، وهو ما يجعل عقولهم وحواسهم في قمة يقظتها.
2- عقلية تحل المشكلات: يحرص المصرف على خلق عقلية حل المشكلات بين المتدربين والموظفين، ومن ثم تتردد كثيراً كلمات مثل: لكل مشكلة حل بسيط، والمشكلة وحلها وجهان لعملة واحدة، ومثلاً: إذا لم تجد حلاً لمشكلتك فسبب ذلك أنك لا تفهم المشكلة.
3- بين الأهداف والإجراءات: يتم التشديد دائماً على أن أهداف مصرف جرامين أهم بكثير من النظم والإجراءات، ويستطيع كل واحد أن يقترح تعديلات كبرى في نظم وإجراءات المصرف طالما أنها لا تحدث انقلاباً في الأهداف.
4- بين القولبة والتمايز: يتجنب برنامج التدريب في المصرف دائماً صب الموظفين في قالب واحد من حيث التفكير والتفاعل، ويحاول أن يبقي على التمايزات، ففي أوقات الأزمات تتعرض المؤسسات للانهيار إذا كان تفكير وأفعال الجميع مصبوبة في قالب واحد، بينما تقل احتمالات الانهيار عندما تكثر الآراء وتستطيع العقول أن تتفاعل.
5- مناخ ملائم للإبداع: يُخبَر العاملين في المصرف بأنهم بإستطاعتهم أن يكتبوا إلى رئيس مجلس الإدارة مباشرةً إذا كانوا يريدوا توصيل فكرة جديدة، وتلعب الصحيفة الداخلية أدُّوج Uddog (وتعني المبادرة) دوراً مهماً في نشر جو الإبداع، حيث يكتب كل أصحاب الأفكار والتجارب الجديدة عن أفكارهم وتجاربهم.
6- حرية تطبيق الأفكار الجديدة: يشجع المصرف مديري القطاعات على أن يطبقوا برامجهم التجديدية بدون أي معوقات، ولا يطلب منهم أن يبدوا مبررات مسبقة لتجاربهم، ولا يكتبون تقارير في هذا الشأن للمكتب الرئيسي إلا عندما يشعرون أن التجربة قد نجحت، وإذا فشلت ربما يختارون عدم الكتابة مطلقاً (15).
الميزة الخامسة:
المسار الاول: الاستراتيجية والادارة: تجربة مؤسسية قائمة على المشاركة: و تتضمن هذه السمة عنصرين:
العنصر الأول: عنصر المؤسسية: تقوم المؤسسية في مصرف جرامين علي وحدات أصغرها المجموعة Group والتي تعتبر وحدة بنائية في المصرف، تتكون كل مجموعة من خمسة أفراد، تليها وحدة المركز Center ويتكون من 6-8 مجموعات، وتمثل هاتان الوحدتان وحدات للأعضاء members أوالمقترضين borrowers فقط، والوحدة التالية هي الفرع Branch، وبدءً من هذه الوحدة نجد أن الوحدات تتشكل من المقترضين والموظفين، فالفرع مثلاً يتكون من 60 مركزاً أي من 360-480 مجموعة، أي من1800-2400 عميل، ويعمل في فرع المصرف عدد 9 موظفين منهم 6 ميدانيين Bank Workers ومدير الفرع Branch Manager ومساعد له ومرسال Messenger ويشرف كل موظف ميداني على عدد 10 مراكز، بواقع مركزين في كل يوم من أيام العمل الميداني من خلال ما يعرف باجتماعات المراكز Center Meeting والتي تعقد فيما يعرف بدور المراكز Center House، ومن ثم فإن المركز هو نقطة التماس بين موظفي المصرف والمقترضين، ومن هنا تنبع أهمية المركز كوحدة بنائية مماسِيَّة، على الرغم من أن وحدة المجموعة هي اللبنة الأساسية في بناء تنظيم الأعضاء المقترضين، بينما الفرع هو الوحدة البنائية الأساسية في تنظيم الموظفين لأنه وحدة التعامل المباشر مع العملاء.
والوحدة التالية لذلك هي مكتب المنطقة (الادارة المناطقية) Area Office الذي يشرف علي سير العمل في عشرة فروع ويعمل فيه 6 موظفين. الوحدة التالية هي مكتب القطاع Zone Office والذي يشرف في المتوسط علي 9 مناطق ويعمل به 35 موظفاً. والوحدة الأخيرة هي المكتب الرئيسي Head Office (16) ويشرف المكتب حالياً على 18 قطاعاً (17).
أما من حيث العلاقة بين تلك الوحدات فهي علاقة فيدرالية بين وحدات ذات استقلال ذاتي. وينطبق ذلك على الوحدات من الفرع إلى القطاع.
والشكل الآخر من أشكال العلاقة بين تلك الوحدات هو علاقة ضبط جودة الأداء من الوحدات الأكبر إلى الوحدات الأصغر. وتقابل هذه العلاقة علاقة أخرى تقوم على تدفق وثائق المعلومات المالية والإدارية من الوحدات الأصغر إلى الوحدات الأكبر.
العنصر الثاني : مبدأ المشاركة في صنع القرار: وتأخذ تلك العملية مسارين أساسيين: المسار الأول: المسودات الدوارة Circulating Drafts. فعندما تعتزم إدارة المصرف وضع أطر لسياسات وقواعد وتنظيمات جديدة تختص بالإدارة، فإنها تقوم بإعداد مسودة لها، ثم ترسلها إلى رؤساء الأقسام بالمكتب الرئيسي وإلى مديري القطاعات، فإذا كان الموضوع ذا أهمية قصوى ترسل نسخ من المسودة إلى مديري المناطق، وربما يرى هؤلاء أن يرسلوا تعليقاتهم كتابة أوربما يعقد كل منهم لقاءات مع مرءوسيه لمناقشة الموضوع، ومن ثم يرسلون بردودهم إلي لجنة المسودات Drafting Committee، التي تطالعها وتراعي مضمونها في إعداد مسودة بديلة تمررها مرة أخري في دورة مماثلة، فإذا لاقت المسودة الثانية رضا صدر قرار بمحتواها وإلا تكررت العملية، وإذا لم تحظ المسودة بالرضا في عدة دورات يتم عرض الموضوع على مؤتمر مديري القطاعات والذي يعقد ثلاث مرات سنوياً.
المسار الثاني: المؤتمرات: ويعد مؤتمر مديري القطاعات من أهم المؤتمرات لما له من دور في عملية صنع القرار وفي الإدارة العامة للمصرف، ولذلك يتم التحضير له قبل شهرين من تاريخ إنعقاده، ويعقد المؤتمر لمدة يومين أو ثلاثة.
السمة السادسة:
1- تجربة تعدد المنتجات المصرفية المتجهه للتنمية:
تمتلك تجربة مصرف جرامين عدداً من الممارسات (طرق التناول والمعالجة) التنموية تقربها من المعنى المتكامل للتنمية.
الممارسة الأولى: نظام التمويل في المصرف التنمية الاقتصادية: وتتخذ التنمية الاقتصادية في المصرف عدة محاور أهمها:
أ - قروض الاستثمار الفردي: يرى البروفسير "يونس" أن معيار التنمية هو ما يحدث من تحسن في حياة الـ 50% التي تقع في قاع المجتمع (18).
ولكي نتصور حجم التنمية التي أحدثها المصرف علينا أن نعلم أن عدد المقترضين من المصرف بلغ حتي يناير 2007م أكثر من 6.95 مليون مقترض مقسمين على 2.343 فرعاً تعمل في أكثر من 75.359 قرية، ويعمل به 21.363 موظف (19).
ب - صناديق الادخار المختلفة: وهي الصورة الثانية من صور التنمية الاقتصادية، وأهم هذه الصناديق:
- صندوق ادخار المجموعة Group Fund: وهو صندوق ادخار إجباري يلزم كل عضو من أعضاء المجموعة بالإشتراك فيه، ويبدأ سداد الإشتراكات فيه من أسبوع التدريب الذي يسبق اعتماد المجموعة ويستمر مع سداد الأقساط الأسبوعية بمقدار 2 تكا Taka في الأسبوع، وتتجمع تلك المدخرات في حساب خاص، وتدير رصيده المجموعة بمبدأ الإجماع.
- صندوق الطوارئ Emergency Fund: وهو نوع من الغطاء التأميني لحالات التخلف عن السداد والوفاة والعجز وغيرها من الحوادث، وتتكون موارد الصندوق من الرسم الإجباري الذي يدفعه المستفيد بنسبة 5 في الألف من القروض التي تزيد عن ألف تكا.
- صناديق أخرى: إلى جانب صندوقي المجموعة والطوارئ هناك صناديق أخرى مثل صندوق المدخرات الخاصة Special Saving Fund ، وصندوق رفاهة الأطفال Children’s Welfare Fund ، وسيأتي الحديث عنها لاحقاً.
وإضافة لتلك الصناديق التي تعتمد على المدخرات الجماعية، يشجع المصرف أعضاءه على الادخار الفردي الاختياري من فوائض دخولهم في حساب للمدخرات الشخصية.
ج- المشروعات المشتركة Joint Enterprises : ويشرف عليها قسم التكنولوجيا بالمصرف منذ عام 1986م. وطبقاً لحجم المشاركة فيه يمكن أن تقسم إلى:
- مشروع المركز الواحد.
- مشروع لعدد من المراكز.
- مشروع على مستوى الفرع.
- مشروع على مستوى المنطقة.
- مشروع على مستوى القطاع.
- مشروع على المستوى دون القومي Sub-national.
- مشروع على المستوى القومي.
ومن المفيد هنا أن نتحدث عن صندوق المدخرات الخاصة Special Savings Fund وهو صندوق ادخار اختياري على مستوى المركز يساهم فيه العضو بمبلغ يترامح بين (1- 5) تكا أسبوعياً حسبما يقرر أعضاء المركز، وذلك في حالة رغبة الأعضاء في عمل مشروع مشترك، ويمد المصرف الصندوق بقرض لا يتعدى 10 أمثال المدخرات، ويقوم الأعضاء بسداد أنصبة متساوية من تلك القروض. ويعتقد البروفسيور "يونس" أنه بمرور الوقت ومع ازدياد الخبرة سوف تصبح هذه المشروعات أوالاستثمارات المكون الأكبر في حياة الأعضاء الاقتصادية.
الممارسة التنموية الثانية: تحسين نوعية الحياة: وذلك من خلال أربعة مداخل:
أ - المدخل الإسكاني: ويعطي المصرف للأعضاء ثلاثة مستويات من قروض الإسكان حسب عدد سنوات العضوية:
المستوى الأول Pre-fundamental ويُؤهِّل العضو للحصول على 650-750 تكا لإصلاح المسكن بعد عامين من العضوية. أما المستوى الثاني Fundamental فيُؤهِّل العضو للحصول على قرض قيمته 10 آلاف تكا، ويحصل ضمنه على أربعة أعمدة ومرحاض صحي، وذلك بعد ثلاث سنوات من العضوية.
والمستوى الثالث Basic والأخير ويتراوح فيه القرض بين 13 إلى25 ألف تكا شاملاً مرحاضاً صحياً وأي عدد من الأعمدة، وذلك بعد خمس سنوات من العضوية. وتسدد قروض الإسكان في أقساط أسبوعية في مدة أقصاها عشر سنوات وإن كانت لا تتجاوز غالباً سبع سنوات.
ب - المدخل الصحي: وذلك من خلال برنامج جرامين الصحي(Grameen Health Program GHP) والذي تقوم عليه مؤسسة جرامين ترست، ويهدف إلي مد الرعاية الصحية للفقراء المحرومين منها، وكذلك رفع مستوى الوعي الصحي لديهم، ويركز البرنامج على الوقاية وتحسين الصحة.
جـ - المدخل التعليمي: ويتم ذلك من خلال صندوق رفاهة الأطفال Children’s Welfare Fund الذي يصبح إجبارياً من القرض الثاني، ويساهم العضو فيه بمبلغ تكا واحدة أسبوعياً، وتستخدم موارد الصندوق في بناء أوتجهيز فصل متوسط الحجم أومدرسة ذات فصل واحد لتعليم الأطفال في كل مركز.
د - برنامج إعادة التأهيل بعد الكوارث: ويتضمن:
- تأمين الاحتياجات الغذائية الأساسية من خلال قرض للمخزون الغذائي بقيمة تتراوح بين 300 إلى 500 تكا تسدد في أقساط أسبوعية.
- قروض لاستعادة رؤوس الأموال تصل إلى 2000 تكا للعضو مع تجميد المصاريف على القروض غير المسددة، ويحدد العضو قيمة القسط الذي يستطيع سداده على ألاَّ يقل عن 10 تكا في الأسبوع.
- إعادة دمج أولئك الأعضاء من خلال ورشة عمل لمدة عشرة أيام للتذكير بنظم وقواعد المصرف مع إعادة تكوين المجموعات، كما يتضمن البرنامج أيضاً قروضاً لاستعادة الأراضي الزراعية، وأخرى لاستعادة الثروة الحيوانية، وكذلك قروض لآلات الري والزراعة.
2- طبيعة المنتجات المصرفية:
قروض بدون ضمانات:
أ - محورية دور القرض:
إن أهمية القروض في أي نظام اقتصادي حديث، وتأثير حرمان البنوك التجارية للفقراء من هذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان، يجعل دائرتي الغنى والفقر في المجتمع دائرتان مغلقتان تتحرك أولاهما إلى أعلى إلى مزيد من الغنى، بينما تتحرك الأخرى إلى أسفل إلى مزيد من الفقر، وذلك نتيجة لإتاحة الائتمان للفئة الأولى وحرمان الفئة الثانية، ومن ثَمَّ كان أهم إنجاز حققه المصرف على الإطلاق هو تمكنه من عمل نظام ناجح لتوفير الائتمانات للفقراء، دون الحاجة لوجود ضمان مالي من ودائع أوعقارات والتي يعجز عنها الفقير بحكم تعريفه.
ب - إجراءات الإقراض في المصرف:
يتقدم العضو الراغب في الحصول على قرض بطلبه إلى زملائه في المجموعة والذين يناقشونه في طلبه، وإذا وافقوا له على طلبه يتقدم رئيس المجموعة بالطلب شفهياً إلى رئيس المركز الذي يعرض الطلب على أعضاء المركز، فإذا وافقوا قام بكتابة طلب قرض باسم العضو ووقعه ثم قدمه لموظف المصرف في الاجتماع الأسبوعي للمركز، فيقوم الموظف بتحرير نموذج رسمي لطلب القرض، ويقدمه رئيس المركز إلى مدير الفرع، والذي يقوم بزيارة للمراكز التي أتت منها الطلبات للتأكد من ملاءمة المبالغ المطلوبة للأغراض المرغوبة للقروض، ثم يوصي بالموافقة على الطلبات، ويرسلها إلي مكتب المنطقة لتعرض على مسئول البرامج هناك، والذي يحق له تخفيض المبالغ المطلوبة أورفض الطلب كلية، ولا يحق له زيادة المبالغ، وبناءً على توصية مسئول البرامج يعطي مدير المنطقة تفويضه النهائي بصرف القروض. ولا تستغرق هذه الإجراءات أكثر من أسبوع. بعدها يتم تسليم القروض في مكتب الفرع بحضور اثنين من الشهود مع العضو، وعادة ما يكونان رئيس المركز ورئيس المجموعة. ويتم سداد القرض على 52 قسطاً أسبوعياً، مضافاً إليها مصاريف إدارية بنسبة 10% تقريباً من قيمة القرض، تقسم بالتساوي مع الأقساط الأسبوعية.
جـ – أنواع القروض في المصرف:
(1) القرض العام General Loan: وهو النوع الأساسي من القروض في المصرف ويحصل عليه كل أعضاء المصرف والحد الأقصى له 10 آلاف تكا، ويستخدم في جميع أغراض الاستثمار الفردي.
(2) القرض الموسمي Seasonal Loan: والغرض منه هو دعم الزراعات الموسمية، وله نوعان: فردي والحد الأقصى له 3 آلاف تكا ترد في موسم الحصاد أوخلال ستة أشهر، وجماعي ويبلغ حده الأقصى10 آلاف تكا للمجموعة و135 ألف تكا للمركز.
(3) قرض الأسرة Family Loan: وتحصل الأسرة عليه عن طريق المرأة وهي المسئولة عنه قانوناً، ويسدد على أقساط أسبوعية خلال عام، والحد الأقصى له 30 ألف تكا لكنه يتراوح في الأغلب بين 10 و 15 ألف تكا، ويشترط له أن تكون المرأة قد سبق لها الاقتراض أربع مرات. وهناك أنواع أخرى سبق لنا الحديث عنها وهي: قرض الإسكان، وقروض صناديق الادخار(21).
ثانيا: الآفاق المحلية والعالمية للتجربة
انطلق المصرف محلياً في آفاق عليا من آفاق التنمية، كما انطلق عالمياً ليصير أنموذجاً يحتذى في مجال مكافحة الفقر.
1- الآفاق المحلية للتجربة:
انطلق المصرف في هذه الآفاق من خلال ما يعرف بأسرة مؤسسات جرامين Family of Grameen Organizations، وهي إحدى عشر مؤسسة تعمل في مجالات تنموية مختلفة ومنها:
أ - مؤسسة جرامين كريشي Grameen Krishi Foundation:
• وقد ظهرت هذه المؤسسة عام 1991م وتعمل منذ بدايتها في مجال إنتاج المحاصيل، والبذور، والألبان، والدواجن، وعسل النحل، ونقل التكنولوجيا، وتنمية المرأة الريفية، وتسويق المنتجات الزراعية المختلفة.
ب - مؤسسة جرامين أدوج Grameen Uddog:
وقد تأسست كشركة لا تهدف للربح وإنما لإحياء صناعة الغزل اليدوي وإدارتها بطريقة حديثة، بحيث تصبح المنسوجات اليدوية البنغالية موجهة للتصدير.
جـ – مؤسسة جرامين موتشو Grameen Motsho Foundation:
وقد تأسست في فبراير من عام 1994م بهدف العمل على إنتاج ونقل وتخزين وتسويق الأسماك. إضافةً إلي تخطيط وتنظيم وتشغيل المزارع السمكية صناعياً وتجارياً على أساس استثماري. وتمتلك المؤسسة أربع مزارع سمكية و 20 مزرعة للإنتاج الزِراعي.
د - مؤسسة صندوق جرامين Grameen Fund: قد تأسست عام 1994م كمؤسسة غير هادفة للربح وإنما لـلمساهمة في الشركات التي تعمل في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والهندسة الحيوية، وغيرها من المجالات المستقبلية.
هـ – مؤسسة جرامين كاليان Grameen Kalyan: قد تأسست عام 1996م، ولها العديد من أهم أهدافها توفير التمويل لمشروعات واستثمارات الموظفين.
و - مؤسسة جرامين شاموجري Grameen Shamogree: قد تأسست في عام 1996م، ولها العديد أهم أهدافها القيام بالتسويق لكل المنتجات الوطنية داخل وخارج بنغلاديش خاصة تلك الناتجة عن الصناعات الريفية ذات العمالة الكثيفة.
ز - مؤسسة جرامين تيليكوم Grameen Telecom: هي مؤسسة حديثة تهدف إلي إدخال ثورة المعلومات إلى الريفيين في بنجلاديش، وتخطط المؤسسة خلال السنوات القادمة لإدخال خدمة التليفون المحمول لخدمة مائة مليون من سكان 68 ألف قرية في بنغلاديش تمويل 60 ألف من أعضاء جرامين لتوفير الخدمة التليفونية المدفوعة للقرى.
ح - مؤسسة جرامين شاكتي Grameen Shakti: هي مؤسسة غير هادفة للربح تعمل في مجال الطاقة الريفية، وأهم أهدافها تعميم مصادر الطاقة المتجددة في المنازل الريفية المحرومة من الكهرباء.
ط - مؤسسة جرامين سيبرنت المحدودة Grameen Cybernet: د تأسست لتعمل في مجال الإنترنت Internet في بنجلاديش.
ي - مؤسسة جرامين للاتصالات Grameen Communications:
وهي مؤسسة غير هادفة للربح تهدف لنشر الوعي والتشجيع على الاستفادة من المعلومات المتاحة على الإنترنت، وذلك من خلال عقد الحلقات الدراسية وورش العمل والبرامج التدريبية والمشاريع باستخدام الإنترنت في كل من مباني المؤسسة أولدى الوكلاء.
ك - مؤسسة جرامين ترست Grameen Trust:
وقد أنشئت عام 1989م كمؤسسة خاصة غير هادفة للربح، أهم أهدافها دعم وتشجيع البرامج الهادفة إلى تقليل الفقر والتي تتخذ من جرامين نموذجاً لها.
2- الجانب الفكري الثقافي الداعم لعمليات المصرف:
– القرارات الستة عشرة: وهي تلك القرارات التي اتخذت في ورشة العمل القومية وهي تعد دستور التنمية الاجتماعية داخل المصرف، حيث يطلب من كل عضو (أي عميل) في المصرف أن يحفظها ويطبقها (11).
وتتضمن القرارات تعهداً بمبادئ عامة مثل: الانضباط، والوحدة، والشجاعة، والدأب، ورفض الظلم للنفس، أوللآخرين، والتعاون، وبخاصة في أوقات الشدة. كما تحض القرارات على الحرص على الالتزام بنظافة البيئة والأطفال، والحرص على مبادئ الصحة العامة باستعمال المياه النظيفة أوتطهير المياه المتوفرة، وكذا استعمال المراحيض الصحية، والحرص على الطعام الصحي المتمثل في الخضراوات، إضافة إلى إدخال التمرينات الرياضية في اجتماعات المراكز، كما تحض على تعليم الأبناء وتكوين أسرة صغيرة، وإصلاح المسكن الخرب والسعي لبناء مسكن جديد، وتتضمن القرارات كذلك حثاً على تنمية الموارد من خلال الزراعة والاستثمارات المشتركة، وعلى تقليل النفقات، وتتضمن القرارات كذلك نهياً عن عادة اجتماعية مرذولة وهي ما يعرف بالدوري Dowry، وهو مبلغ من المال تدفعه المرأة في بنغلاديش للرجل الذي سيتزوجها فيما يشبه المهر(12).
ثالثا / شروط نجاح تكرار التجربة :
شروط نجاح تكرار تجربة مصرف جرامين، تتمثل في العناصر الأساسية التالية :
1- التركيز الشديد على الفقراء وحدهم.
2- جعل الأولوية في عضوية المصرف للنساء الريفيات الفقيرات.
3- وضع شروط وإجراءات قروض ملائمة تسمح للفقراء بممارسة أعمال مدرة للدخل.
4- دعم أنشطة فردية يختارها الشخص بنفسه لتدر عليه دخلاً.
5- إقرار مسئولية تضامنية للمقترضين ودعم متبادل من خلال الادخار الإجباري.
6- منح قروض صغيرة علي أساس سداد أسبوعي، وإتاحة إمكانية تلقي قروض جديدة في حالة السداد المنتظم.
7- وضع نظام قروض صارم وإشراف لصيق.
8- تطبيق مبدأ شفقة بلا صدقات.
9- تشجيع الادخار الفردي.
10- تنفيذ برنامج للتنمية الاجتماعية.
11- تدريب طاقم العاملين على الإدارة العملية الصارمة.
12- حماية صندوق القروض من التضخم.
13- إدارة مؤسسية ناجحة تضمن استقرار السياسات بعيداً عن تقلبات الإدارة الفردية.
مع مراعاة مرونة تسمح بتغيير بعض الأساليب والإجراءات بما يتلاءم مع الظروف المحلية لبلد التطبيق في إطار من الإلتزام بنمط جرامين.
المرجع: الشبكة العنكبوتية:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Osun.org
- يـوسف الفكي عبد الكريـم، تجربة مصرف الفقراء.جامعة سنار، السودانن2007
- أ.قطوش سامية،معضلة الفقر: آثارها ومظاهرها.جامعة الجزائر